“القصة مستوحاة من أحداث حقيقية”
إزاي الواحد ممكن يتخطى حاجة زي كده؟
التغيير الجذري، ف.قدان شخص كان بيمثل لك الحياة كلها….
مش معنى كده إنه كان الجنة عالأرض يعني، إنما بوجوده حياتك كان ليها شكل معين وبعدين بقى ليها شكل تاني خالص فجأة عشان الشخص ده قرر ينسحب…
الشخص ده هو مراتي، أم ابني الوحيد، فضلنا متجوزين 12 سنة، مش كل الأيام كانت وردي ولا كلها جح.يم، زي أي علاقة زوجية، شوية تمام شوية لأ، لكن في الكام سنة الأخرانيين زوحليقة…العلاقة بقت في النازل وبسرعة شديدة، خن.اقات، م.لل، تلاكيك مننا احنا الاتنين لبعض على أتفه الأسباب، بس في الآخر هي اللي خدت القرار، وسابتني كده في الهوا، عملت التغيير الرهيب في حياتي واللي لسه مش عارف اتعامل معاه…
هتعامل إزاي؟
وحدة وحدة، يوم بيوم، خطوات بسيطة أساعد بيها نفسي، أتخطى أو اتكيف مع الوضع الجديد، على الأقل ده اللي بيقوله كتاب التنمية البشرية اللي بقرا فيه اليومين دول، واللي…مش مقتنع بيه بالمناسبة، وشايف إنه أكل عيش وبس، وصاحبه لا مهتم بيا ولا بيك يا با.ئس يا حز.ين يا مجوف من جوه ومكرش من بره من كتر الأكل بسبب الاكت.ئاب زي حالاتي….
وفي الظروف الاستثنائية اللي زي دي الواحد بيفكر بشكل استثنائي، يعني مثلًا أنا وفي كامل قواي العقلية في ليلة من الليالي قررت أروح أجيب لنفسي حلاوة المولد!
قلت اتدلع واحتفل بنفسي، بدل ما كل سنة كنت بجيب حلاوة المولد لابني ومراتي أجيبها المرة دي لنفسي، وأهو تاني يوم كان أجازة، واليومين اللي بعديه كمان، أجازة طويلة مريحة هفضل فيها لوحدي وفاضي! يعني دماغي في الغالب مش هتسيبني في حالي، يبقى على الأقل أكون اتروقت بالحلويات، أكلها وأنا با.ئس ودماغي مش مبطلة زن عليا…
كانت أس.وأ فكرة على الإطلاق!
ده اللي جه في بالي لما وصلت السيدة زينب، خروجي لوحدي لأول مرة في مناسبة زي دي حسسني بالوح.شة، إحساس بش.ع، والب.ؤس زاد أضعاف…
برغم إن الأجواء كانت مبهجة، بداية من المحل اللي روحته اللي كان ضخم وفيه كميات مهولة ومتنوعة من حلاوة المولد وعدد رهيب من الناس ومعاهم ضحكات وأصوات عالية و ذبذبات احتفالية إيجابية وكمان المشهد في الخلفية، هناك الناحية التانية، الاحتفالية بتاعة المولد، كانت احتفالية بسيطة مش مبهرجة لكن كانت برضه مبهجة أوي، مُرجحتين من بتوع الموالد وتنشين بالبندقية والتنورة، وبرغم كل ده كنت حاسس بتقل رهيب، كإن حاجة بتطبق على صدري…
-إيه الأسعار دي!
دي كانت واحدة واقفة قصاد الراجل اللي بيحاسب، كان عندها حالة ذهول من الرقم اللي سمعته على علبة الحلاوة اللي نقتها….
في حاجة في نبرة صوتها وهيئتها خففت عني الكآ.بة، أظنها الكآ.بة اللي بتنبض منها هي كمان!
حسستني إني مش لوحدي اللي بع.اني…
-أنا معطلاك؟ آسفة…
=معطلاني عن إيه يا خي!
طلعت مني تلقائية، مفكرتش قبل ما أرد، وكنت في نص هدومي، إيه اللي قلته ده، ميصحش!
دي ست غريبة وأكيد أحر.جتها بردي الجريء…
لكن اتفاجأت بابتسامة خفيفة منها، ضحكت يعني قلبها مال؟… أوفر أوي أنا…
في الغالب كانت مش هترد عليا، هتديني ضهرها من سكات وتاخد بعضها وتتكل على الله، لكن اللي حصل غير كده…
كانت بطيئة أوي في حركتها، وهي بتخرج محفظتها من الشنطة، وهي بتطلع الفلوس، وهي بتسلمها للراجل وبتستلم العلبة، زي ما تكون….زي ما تكون قاصدة تبقى بطيئة…
ده بجانب النظرة الخاطفة العفوية ” قال يعني” اللي اديتهاني، كلها كانت إشارات عشان أتكلم معاها…
=هم لسه بيعملوا احتفالات المولد والكلام ده؟
ابتسامتها وسعت لما سألتها وأنا بحاسب على علبة الحلاوة بتاعتي… ما صدقت، جاوبت بتحمس:
-هي مش احتفالات بمعنى الكلمة، دي حاجات بسيطة، أومال لو كنت شفت المولد بتاع زمان..
حاسبت وأنا وهي خرجنا من المحل، مشينا وحدة وحدة واحنا بنكمل كلام…
=كده كده احنا ملناش دعوة، احنا كبار على الحاجات دي، زحاليق إيه ومراجيح إيه…
-اتكلم عن نفسك، أنا مش كبيرة، وعادي ممكن أركب المراجيح وأنشن بالبندقية كمان!
ولقيتها سبقتني بكام خطوة، غيرت اتجاهها وراحت على الاحتفالية!
مشيت وراها طبعًا، راحت الأول على البندقية، مسكتها ونشنت على اللوحة البعيدة قدامها، وتنشينها كان دقيق جدًا، محترفة!
وأنا لما مسكت البندقية كانت هتقع مني من تقلها!
ومش محتاج ِأقول ادائي كان عامل إزاي…
بعدها كانت فقرة المراجيح، مش مصدق لحد دلوقتي إني عملت كده، ركبت على الحصان اللي بيلف حوالين عمود وهي كانت راكبة على الحصان اللي قدامي، بعدين ركبنا في نفس المرجيحة اللي بتطير في الهوا دي لارتفاع كبير وتنزل وترجع تطير الناحية التانية، وشي كان في وشها، كان في سحر غريب في وشها مع الهوا اللي كان بيطير شعرها…
بصراحة انا اتبسطت أوي يومها، متخيلتش إن اليوم كان هيمشي بالشكل ده…
لكن ده أوله وآخره، الموضوع مفيهوش أكتر من كده، أو ده اللي كنت فاكره!
يعني كان يوم لطيف، ست غريبة لطيفة قابلتها في ظروف غريبة برضه، واضح إن احنا الاتنين كان عندنا كب.ت، يمكن ظروفنا شبه بعض، متكلمناش يومها عن الظروف ولا عرفت قصتها، لكن يجوز، كل اللي عرفته هو اسمها، وأخدت رقم موبايلها، مكنش في دماغي بصراحة إن الموضوع يتطور عن كده، أنا مكنتش مستعد أدخل في علاقة غرامية مع واحدة جديدة، ولا عندي طاقة لارتباط، معرفش حتى كنت بفكر في إيه لما طلبت رقمها، وقررت ليلتها إني مش هكلمها، الست دي معرفتي بيها هتنتهي هنا….
شكلي كان وح.ش أوي قدام نفسي لما كلمتها، وشكلي كان أوح.ش لما قابلتها…
اتكلمنا مرات ومرات واتقابلنا زيهم، لكني كنت صريح معاها، من أول لقاء ما بينا بعد مرة المولد قلتلها إني مطلق قريب، لسه خارج من علاقة دامت 12 سنة، وإني مش مستعد للارتباط، هي ليها ترضى بلقاءتنا اللي أشبه بالصداقة ولا معرفش نسميها إيه يأما تنسحب، وأنا تمام في الحالتين…رحبت باللي قلته! عشان هي كمان اتضح إنها مطلقة من 6 شهور بس ولسه في حالة صد.مة ومتخطش التجربة، أنا برضه قلت في حالة مشتركة ما بينا لما اتقابلنا في المولد…
دي كانت قصتي مع “كاريمان”، أما قصتي مع “ليلي” “lili”بدأت بعدها بأقل من شهر…
بس قبل ما تبتدي القصة دي وفي ليلة من الليالي حصلت لي حاجة غريبة أوي…
كنت نايم في أمان الله، غر.قان في النوم، وفجأة حسيت بنفسي بقع من على مسافة، وبعدين بترفع تاني، يمين وشمال، مرجيحة! كنت على مرجيحة المولد، وكل ما أكون خلاص هلمس الأرض ترجع المرجيحة تاني تترفع لفوق، فوق، كإنها هتلمس السما، بعدين لفيت مع الراجل بتاع التنورة كإني فراشة أو حشرة واقفة على التنورة، دماغي بتلف، بتلف… وبعد الدوخة دي كلها بدأت اتخ.نق!
رقبتي، في حاجة كانت بتطبق على رقبتي، إيدين خفية بتخ.نقني جامد، مكنتش قادر أخد نفسي، قدرت بالعافية أحرك إيديا الاتنين ناحية رقبتي، كنت بفك الايدين الخفية من عليا كإنها قيود حديد ملفوفة حواليا…وقتها صحيت….
الحلم العجيب كان حي أوي، قمت غسلت وشي، فضلت صاحي حبة وبعدين رجعت نمت تاني…
في ليلة من الليالي، في ساعة من الساعات، كنت على طريق سريع، طاير بالعربية، مفيش حاجة كانت هتوقفني، ماشي بلا هدف، بلا وجهة، بلا مسار، لولا إني لمحت حاجة عدلت من اللا خطة اللي كنت ماشي عليها، عربية مركونة في عز الضلمة، وواحدة واقفة جنبها عمالة تتنطط، فاردة دراعاتها وبتحركهم في محاولة با.ئسة إن حد يلاحظها، وأنا الب.ائس اللي لاحظتها، رجعت بالعربية شوية حلوين وركنت وراها…
-حهههه الحمد لله، الحمد لله!
دي أول كلمات قالتلهالي.
-أنت مش عارف بقالي قد إيه واقفة، الكاوتش على الأرض ومش عارفة أركب الاستبن، مش عارفة…
يسلم اللي علمكوا السواقة وركبكم العربيات وطلقكم على خلق الله في الشوارع، ده اللي جه في بالي، لكن طبعًا مقولتلهاش كده، كفاية الرجفة اللي هي فيها، والرعشة في صوتها والر.عب في عنيها، عنيها، اه على عنيها، إيه اللون ده، رمادي ده ولا بنفسجي فاتح ولا إيه، هو أنا قابلت إليزابيث تايلور ولا حاجة؟
تركيب استبن فنظرة فكلمة من هنا على كلمة من هنا على هاتي تليفونك على رن عليا كده، على بداية معرفتي ب”ليلي”..
وابتدت مكالماتي مع “ليلي” وابتدت لقاءاتي مع “ليلي”، وكنت صريح جدًا معاها، أنا مش مستعد أدخل في علاقة جدية مع حد، أنا طالع من علاقة بهدلتني، ومش قادر على المجهود ده، و”ليلي” رحبت بكده، أتاريها مطلقة من 3 سنين وعندها ولد من جوازها الأولاني، أنا عارف المجتمع حصل في إيه؟ مالنا كلنا متن.يلين على عينا كده ليه؟ نفسيات مح.طمة، رؤى معد.ومة، متفقين ومرحبين بعدم التعمق في العلاقات الإنسانية.. هايل!، أنا هفضل أقابلك يا “هارون”، تعرف ليش لإنك ما كذ.بت…
أنا “هارون” بالمناسبة….
“ليلي” كانت عايشة في القاهرة لوحدها من سنة تقريبًا من وقت ما اتقابلنا، وده عشان موقع شغلها الجديد، ابنها اللي عنده 14 سنة كانت سايباه مع أمها في اسكندرية وبحسب كلامها كانت عاملة حسابها يتنقل معاها لكنه مرضيش عشان مقدرش يمشي من مدرسته في اسكندرية، عشان كده سابته مع أمها لكنها كانت هتحاول معاه تاني على أمل تقنعه عشان حياتها من غيره ص.عبة جدًا، هو أغلى حاجة عندها…
“ليلي” كانت مبهرة، شكلها ملفت وشخصيتها مرحة، وذكية جدًا، لكن ده أوله وأخره، مشاعري متطورتش عن كده، مجرد الإنبهار بيها، لا إعجاب ولا قلب هفهف ولا حاجة….
“كاريمان” فاجأتني كذه مرة بزيارات مفاجأة، كانت بتعمل حركات كده عشان قال يعني تفرحني، تجيبلي مرة القهوة من المكان اللي بحبه وتمد إيديها بالكوباية لما افتح الباب، تجيبلي مرة تانية الكتاب اللي كنت بدور عليه ومش لاقيه وهكذا، وطبعًا كنت بدخلها وبرحب بيها، مكنتش عاوز كده، حقيقي مكنتش عايزها تيجي البيت لكني كنت بتحرج منها، والست للأمانة كانت دايمًا لطيفة معايا، وعمرها ما اتعدت حدودها، عمرها ما فتحت سيرة ارتباط ولا عواطف، اللي باين إنها كانت بتعاملني كصديقة…
ولا برضه كنت عايز “ليلي” تيجي البيت، كل لقاءتنا كانت بره، لكنها جت، مرة واحدة….
في ليلة من الليالي، وأنا في سابع نومة وباكل رز بلبن على سحابة مليانة بالمطر وجنبي صاروخ قاعد عليه بكار ورشيدة، أيوه هو ده اللي كنت بحلم بيه، إذ فجأة كل ده اختفى، حسيت إني بقع من السرير وبعدين بترفع تاني في الهوا! مرجيحة، مرجيحة المولد، كل ما المرجيحة هتلمس الأرض ترجع تترفع لفوق كإنها هتلمس السحاب، فوق في السما، وبعدين لقيت نفسي على التنورة بلف مع الراجل، لفة ورا لفة، ورا لفة، ورا لفة، ورا لفة، بعدين….
إيدين خفية بتخ.نقني جامد، مش قادر أخد نفسي، من قوت الإيدين كإنها قيود حديد ملفوفة حواليا، فقت على رزعة! أنا اللي اترزعت على الأرض، فتحت عيني في ذ.عر، وساعتها سمعت الباب بيخبط…
مشيت بسرعة ناحيته، ندهت بتحفز وخ.ضة:
=مين؟!
مسمعتش رد…
سألت تاني بصوت أعلى:
=مييين؟
-أنا!
صوت كان واطي أوي يكاد لا يسمع إلا من خفافيش بتميز النبرات فوق الصوتية ولا مادري تحت الصوتية ولا إيه…
=مين؟
-أنا “ليلي”.
=ليلي؟!
-أيوه
وإيه اللي جابها دي كمان، مين اللي فهمهم بس إن بيتي استراحة…
كنت متع.صب، فتحت الباب بع.نف، لكن مودي اتغير 180 درجة لما عيني وقعت عليها…
كانت في حالة ص.عبة، عنيها منفخة وبتتشحتف وجسمها كله بيترعش…
اتقلبت من واحد متغ.اظ وحاسس بالمظلو.مية عشان الق.لق والصحيان في نص الليالي لواحد حاسس بالشفقة عليها والتعاطف وانعدام الحيلة…
دخلتها بسرعة، بجد كنت قل.قان عليها، يا ترى إيه اللي حصل وصل لها للحالة دي…
قعدت على الكنبة، الشحتفة والبُكا كان بيزيد، ورجليها كانت بتتهز بسرعة عمري ما شفتها قبل كده بالمنظر ده، إيه العص.بية دي، حرفيًا كانت في حالة هس.تيرية…
-أنا فاش.لة وكد.ابة…
=ليه بتقولي كده؟ حصل إيه يا “ليلي”؟
-حصل إني طول الوقت بدعي، كإني أنجزت حاجة في حياتي، عشان يعني شاطرة في شغلي، الحقيقة إني آخر كل يوم بحس بم.رارة في طرف لساني، م.رارة مش بتروح بأي أكل أو مشروب بشربه، ووج.ع في صدري، وج.ع مش بيروح، مقدرتش أحافظ على جوازي ولا قدرت أحافظ على ابني، إيه لازمتها الإنجازات المادية وأنت عامل زي المغناطيس اللي بين.فر الناس اللي بتحبها وبيشد الاختيارات الغل.ط؟
كل اللي عملته إني هزيت كتفي، مكنش عندي رد أقوله، أي حاجة هقولها كانت هتبقى ساذ.جة، إيه الرد المناسب لكلام زي ده؟
=هقوم أجيبلك مايه..
ده اللي ربنا قدرني عليه… دخلت المطبخ فعلًا، فتحت التلاجة وشلت إزازة ساقعة ولما قفلت لقيتها واقفة ورا باب التلاجة!
إمتى جت، محستش بحركتها تمامًا، وليه اتسللت بالإسلوب ده؟؟…
لقيتها راسمة ابتسامة، دم.وعها لسه منشقتش على وشها وبتبتسم برضا!
-شكرًا يا “هارون”.
=على إيه، دي مايه بس.
-مش المايه، كل حاجة، انك رحبت بيا في بيتك وحياتك وسمعتني.
إيه الأفورة دي؟ مش فاهم هو إيه البطولة في اللي عملته؟؟ وبعدين تصرفاتها كانت غريبة جدًا، إزاي تتنقل من الانهي.ار للامتنان والهدوء والراحة دي؟
على قد ما كنت مشفق عليها على قد ما حسيت بارتياح لما مشيت، تصرفاتها مكنتش طبيعية أبدًا…
…………………………
صحيت على هزة الموبايل، ده مكنش المنبه….
دي كانت رسالة من …”ليلي”، الرسالة كان محتواها:
“مش كفاية بقى كده يا “هارون”، مش عايز تدخل في الجد، علاقتنا لحد امتى هتبقى باهتة كده وملهاش ملامح، هنرتبط امتى ونبطل است.عباط؟”
إيه الهب.ل ده؟! ارتباط ايه؟
ومين قال إني بستع.بط؟ أنا كنت صريح معاها من البداية، قلتلها أنا مش هدخل في علاقات….
كنت لسه بدعك عيني، حقيقي مش فايق، فضلت كده مش متزن كام دقيقة وبعدين بدأت أكتب:
“لي لي، أنا كنت صريح معاكي، أنا مش هقدر على أي علاقة جد في الوقت الحالي، آسف لو كنت وصلتلك إشارة غلط أو عشمتك بأي طريقة، إنتي ست جميلة، متأكد إن رجالة كتير تتمنى ترتبط بيكي، حقيقي المشكلة فيا أنا، أنا متخبط جدًا وفي حالة مش تمام، لا هنفعك ولا هنفع غيرك”
بس… ورميت الموبايل على السرير وقمت عشان أدخل الحمام وابدأ يومي، الموبايل اتهز أول لما رميت الموبايل، حرفيًا ثواني بعد ما بعت الرسالة!
طنشت وروحت الحمام وأخدت راحتي وخرجت، متخيلتش أبدًا إن هزة الموبايل تكون رد على الرسالة بتاعتي، لكن وللص.دمة هو ده اللي حصل، كان رد من “ليلي”، لحقت تقرا وتبعت الرد كمان؟
الرسالة نصها كالتالي:
“أنت حي.وان! راجل ج.بان وفلاتي وبتاع نسوان، متقدرش طبعًا ترتبط بوحدة زيي، أنا كتيرة عليك، أنا اللي رخصت نفسي، لكن معلش كلنا بندفع التمن، كل اللي غلط هيدفع التمن”
إيه ده، إيه ده؟! إيه العدا.ئية دي، معقول؟ ده رد واحدة مج.روحة، واحدة تعرف واحد من وقت كبير، ما بينهم حب وعلاقة عميقة، مش علاقة كلها على بعضها اسبوعين تلاتة بالكتير، وبعدين هي دي “لي لي”؟ “لي لي” الرقيقة، اللي صوتها واطي وبتتكلم بالراحة وأعصابها هادية علطول…
ثواني، هي فعلًا أعصابها هادية؟…الليلة اللي قبلها…
الليلة دي أنا شفت “لي لي” مختلفة، واحدة مض.طربة، مش متزنة، جواها دهاليز وغموض…
ما علينا، أهي طلعت اللي جواها وخلاص، أكيد قصتها خلصت، ومش هتكلم واحد “ن.دل وج.بان” زيي تاني، ريحت واستريحت…
هو ده اللي كنت فاكره….
عدى النهار والشمس غابت، لسه كنت في البنك، لسه مخلصتش شغلي، اتفاجأت برسالة جاتلي…
“أنت واحد حق.ير، مبيعجبكش غير بنات الليل، زي البت بتاعتك اللي اسمها “كاريمان”، هي دي اللي تملى عينك، ما هي لايقة عليك هي ومراتك السابقة المق.شفة”
يووه، مش هنخلص بقى ولا إيه، إيه قل.ة الأدب والقيمة دي، حصل إيه لكل ده، و…
ثواني…
هي عرفت منين “كاريمان” ومراتي السابقة؟
هي…كانت بتراقبني؟
مين دي؟ مين الشخصية اللي دخلتها حياتي؟ إيه الوحلة اللي وحلتها لنفسك دي يا “هارون”؟
بصراحة أنا ابتديت اض.طرب…
كنت مقلق، مقدرتش أنام بعمق، عمال اتقلب يمين وشمال، مخي شغال إيه ولا كإنه مصنع اض.طرابات…
صحيت بدري، قلت أعمل الحاجة اللي بتريح أعصابي، ااكل الحمام، كل يوم بحط رز وشوية حبوب على المسند اللي تحت الشباك في الصالة، في كم حمام بييجي ياكل، بيونسني، مش مجرد طيور، دول كانوا صحابي…
طلعت إيدي عشان أخد الطبق الصغير وأملاه وأرجع أحطه، لكن صوابعي لمست حاجة، ميزت إنها حمامة في وضع النوم من قبل ما أشوفها، جسمها مريح، مديت راسي وبصيت لقيتها مش حمامة واحدة، ده كم حمام مش طبيعي، كلهم ممدديين، بس دول مش نايمين، دول م.يتين!
الحمام كله م.يت… رحعت بضهري وأنا مبرق، ببص على المشهد الغريب ده، مفيش كلام يقدر يوصف اللي كنت حاسس بيه، أنا مكنتش مستوعب، إيه اللي حصل لهم؟
الموبايل اتهز، روحت عليه وفتحت الرسالة..
“في إحساس غريب بالسكينة مع الخ.وف والر.هبة بييجوا مع ريحة الم.وت، مجربتش مزيج الأحاسيس دي في مرة من المرات لما روحت التُرب؟ ولما تبقى مقب.رة جماعية في بيتك، لما يبقى بيتك هو المق.برة؟ كل أول وليه آخر، الم.يت بيرتاح، بس هل أنت بقى تستحق الراحة؟….مظنش”
المفتاح الاحتياطي!
ده اللي جه في بالي أول لما خلصت الرسالة، جريت على الجزامة، في صندوق أدوات صغير عليها، محطوط فيه المفتاح الاحتياطي بتاع الشقة، والمفتاح…كان مفقود…
ليلتها، لما “لي لي” جت، أخدت المفتاح! أكيد دورت في الجزامة والصندوق في الوقت اللي غبت فيه في المطبخ، مفيش مجال للشك، “ليلي” اللي قت.لت الحمام…
كانت هنا وأنا نايم، كانت في الشقة، حطت س.م وسط الرز أو أي مادة قا.تلة…
كانت تقصد ب “المق.برة الجماعية” مقب.رة الحمام، وأنا مش هرتاح ولا هحس بالسكينة زي الحمام اللي م.ات خلاص، إنها لسه هتعذ.بني…
بصيت تاني في الرسالة، مكنتش مبعوتة من رقمها، كان رقم غريب، بس هي “لي لي”، أنا متأكد…
لا مبدهاش بقى، روحت على أقرب قسم وعملت بلاغ…
بليل جالي استدعاء من قسم الشرطة روحت هناك وقالولي على اللي وصلوله…
“لي لي” معمول بلاغ باخت فائها!
قال إيه متغيبة من الليلة إياها، ليلة ما كانت عندي، وبدل ما كنت ض.حية في نظرهم بقيت مش.تبه فيه….
“لي لي” مين دي اللي متغيبة، “ليلي” مختفية بمزاجها، هي الج.اني، هي اللي بته.ددني، هي اللي اتسللت لشقتي وق.تلت الطيور بتاعتي، قلتلهم كده، مكنوش مصدقين لحد ما طلعتلهم الرسايل، هنا وكيل النيابة جاله حالة ذهول، هو إيه اللي بيحصل؟؟
مشيت من القسم، مع إني من جوايا كنت أتمنى يحجزوني، أحسنلي أبات في التخشيبة على إني أبات لوحدي في البيت، شلت طربيزة كانت في الصالة وحطتها ورا الباب، أهو لو حاولت تفتح الباب هسمعها…
مكنتش متخيل إني هعيش الر.عب ده في يوم من الأيام…
حاولت أغمض عيني، محاولات فا.شلة ورا محاولات فا.شلة، أخيرًا بدأت شوية أدخل في النوم…
بقع، بترفع تاني، مرجيحة! مرجيحة المولد… الراجل بتاع التنورة، بتخ.نق، صورر مشوشة قدامي لوحدة ست ماسكة حاجة في إيدها، سك.ينة!
الست دي كانت…”لي لي”، بتقرب عليا بالسك.ينة، عيونها أحد من نصل السك.ينة، مفيهاش أي رحمة، ماشية بخطوات ثابتة، عندها هدف واحد، هو…أنا، مش قادر أتحرك، مش قادر!
الموبايل اتهز، قمت من الكا.بوس مف.زوع، كان مجرد كا.بوس….مجرد كا.بوس؟
لقيت رسالة جتلي، محتواها:
“البوليس مش هيعمل لك حاجة، الحكم خلاص صدر يا “هارون”، ولا النيابة ولا المباحث ولا أمن الدولة حتى هيقدروا يحموك، الحكم صدر، الباب تقيل ليه يا “هارون”؟ حاطط وراه حديد مسلح؟ كله بيتفتح، كل قفل وليه مفتاح، كل تقل وهينزاح، ومش هيبقى في حاجب ما بيني وبينك”
كانت بتحاول تفتح الباب، وكانت ماشية ورايا قبلها، عرفت بمشاويري للقسم، “ليلي” معايا في كل خطوة، أقرب لي مما أتصور….
“يتبع”
“الجزء الثاني والأخير”
جالي تليفون من ظابط من ضباط المباحث اللي كانوا ماسكين البلاغات، قال لي أروحله عشان عنده معلومات، كنت في طريقي، لكن في مكالمة تانية جاتلي خلتني أغير اتجاهي…
“كاريمان” كلمتني، صوتها كان مهزوز، كانت في حالة انه.يار، مقدرتش أفهم منها حاجة، روحتلها…
كانت بتترعش، نزلت معايا للجراج بتاع عمارتها، الإزاز بتاع عربيتها كانت عليه كتابة بخط كبير بلون أحمر، ميزت علطول إنه د.م مش دهان، الكتابة كانت:
“زوقك واطي أوي يا “هارون”، بنت الل.يل بتاعتك مش هتاخد ف إيدي غلوة”
-مين اللي كتب الكلام ده يا “هارون”؟
لساني اتع.قد، مكنش عندي رد ليها، أقول لها إيه، أقول لها إني أنا السبب، أنا اللي جبت لها المص.يبة، دخلت في حياتها الفير.وس؟!
كل اللي عملته إني مديت إيدي وضمتها ليا، طمنتها، قلت لها متقلقش، مش هتتأذ.ي، واللي عمل كده أنا هتصرف معاه…
روحت بعد كده على الظابط وحكتله عن اللي حصل، قال إنه هيبعت فرقة تعاين العربية وبعدين عرفني على ست كبيرة، فيها شبه من “ليلي”، كانت أمها…
قال لها تقول لي الكلام اللي قالتهوله عن “ليلي”، الست بصتله بعتاب وبعدين وجهت كلامها ليا:
-ليلي…مري.ضة، بتاخد أدوية عشان…عندها مر.ض نف.سي، بتتعالج من سنين، وده اللي خلاني متولية تربية ابنها، حتى لما كانت معانا كنت أنا اللي مسؤولة عنه بشكل أساسي، ولما جتلها فرصة الشغل في القاهرة رفضت تاخد الولد، حتى مع تأكيدي إني هروح وأجي عليهم، الولد برغم كل حاجة متعلق بأمه…
الظابط قطع كلامها:
-ملقيناش أي علب أدوية من اللي الدكتور واصفهالها في بيتها، ده معناه إنها بطلت تاخد أدويتها، الله أعلم من امتى…
الست علقت بغض.ب:
-أنا مش فاهمة ليه خلتني أكرر بس المعلومات دي، كونها مري.ضة وبتاخد أدوية، ده ماله ومال اختف.ائها؟ ليه أخدت الكام جملة دي مني وتجا.هلت الباقي، بنتي حصل لها حاجة، مش الج.اني، دي ض.حية…
-بنتك مش متزنة وبطلت تاخد الأدوية بتاعتها..
عينيها زاغت، اتو.ترت، كملت بنبرة مهزوزوة:
-برضه، ده ملوش علاقة باختف.ائها، أنا بنتي ضح.ية، متأكدة، وأنت ممكن تكون اللي خاطفها…
قالت الجملة الأخيرة وهي بتشاور عليا، كانت متحفزة جدًا وعص.بية…
الظابط طلب مني بعدها أحكي عن الليلة الأخيرة اللي شفت فيها “ليلي”.
حكيت للأم كل حاجة، كنت مشفق عليها، إنها تسمع كل التفاصيل دي عن بنتها، برغم كل اللي “ليلي” عملته معايا الأم ملهاش ذ.نب…
كانت لسه مقتنعة إن بنتها بريئة بعد ما خلصت، حتى لو زارتني الليلة دي وتصرفاتها كانت غريبة، حتى لو بطلت أدويتها، حتى لو عندها أمر.اض الدنيا كلها، بنتها بريئة وفي خ.طر…
…………………………
إحساسي كان بش.ع بعد ما رجعت، كانت من أصعب الليالي اللي عدت عليا، مش عشان الخ.وف على نفسي بس لكن الحمل اللي عليا، الخ.وف على “كاريمان” اللي جرتها للخ.طر بمجرد معرفتي بيها، لقيت نفسي بكلمها، بتطمن عليها، للمفاجأة “كاريمان” كانت هادية، مش زي المرة الأخيرة اللي شفتها فيها، لقتها هي اللي بتهون عليا وبتحاول تطمني، قالتلي إن تهد.يدات “ليلي” فارغة، وإني مليش ذنب في أي حاجة، ربنا كاتب إن “ليلي” تظهر وتعمل لها دوش.ة وده كان هيحصل بكل حال من الأحوال، بيا أو من غيري، أول مرة اشوف الجانب ده منها، كلام موزون ومريح….
لكن تأثير كلامها كان وقتي ورجعت أغ.رق في دو.امة الت.وتر أول ما قفلت معاها…..
………………………….
خلاص بقى روتين، على الأقل يومين في اليوم “ليلي” بتبعتلي رسايل فيها س.ب وإه.انة أو تهد.يدات، معظم الأيام مفيش حاجة حصلت، لكن الأيام الباقية…
زي مثلًا اليوم إياه، في رسالة جتلي لكن مش من “ليلي”، من “كاريمان”، مركزتش في الرسالة من بره، قعدت دقايق قبل ما أفتح الرسالة، واللي خلاني افتحها هي رسالة تانية برضه من “كاريمان”…
قلت أكيد في حاجة، فتحت الرسايل وشفت صور…
الصور كانت غامقة شوية، واحدة على كرسي متكتفة، مربوطة بحبال في رجليها وإيديها الاتنين وحبل على بوقها، شعرها منعكش ومذع.ورة، الصور دي كانت ل”كاريمان”!
واكيد مش “كاريمان” اللي بعتاها، ده الشخص اللي مكت.فها، واللي هو “ليلي”…
مبصتش على اللي لابسه، اتحركت بسرعة بعبلي كده، بس ملحقتش أخرج من الشقة، التليفون اتهز مرة تانية، المرة دي كانت رسالة جايه من جاري الأستاذ “مؤمن”، كانت رسالة تليفون عادية فاضية، كنت ناوي أطنشها لكن مقدرتش، حاجة خلتني أطلع له بسرعة…
الأستاذ “مؤمن” راجل كبير في السن، ملوش حد، لا متجوز ولا عنده ولاد، اتعودت إني أشقر عليه من وقت للتاني واخد بالي منه، على قد ما اقدر يعني، عارف إنه مكنش وقته، بس لازم أفهم ليه بعتلي الرسالة، وإيه الرسالة الغريبة دي، صحيح ليه يبعتلي رسالة فاضية؟؟؟….
مخدتش الأسانسير، طلعت جري على السلم لحد الدور بتاعه، وصلت عند باب الشقة، مديت إيدي عشان أرن الجرس، بس سحبت صوباعي قبل ما أرن وده عشان اخدت بالي عن الباب مردود، زقيته ودخلت….
ندهت:
=يا أستاذ “مؤمن”..
مردش…
ندهت تاني:
= يا “مؤمن”، أنا “هارون”.
مفيش…دخلت الصالة والمطبخ، خبطت على الحمام، في الآخر روحت على أوضة النوم…
الباب كان مفتوح، “مؤمن” كان باين إنه ممدد على السرير، نايم على بطنه، قربت منه وندهتله بصوت واطي تاني، لما ماستجابش حسيت إن في حاجة غلط، حركته، مفيش رد فعل، راقبت جسمه، مكنش بيتحرك تمامًا، مفيش نفس، “مؤمن” ما.ت…
بلغت الشرطة، مش عارف، هو ده اللي جه في بالي، مكنش فيه وقت أغرق في الح.زن، في كار.ثة تانية كانت مستنياني، نزلت جري على الشارع، روحت على بيت “كاريمان”، الباب اتهرى خبط، في الآخر كس.رته…
“كاريمان” كانت متك.تفة في أوضتها بنفس المنظر اللي اتبعتلي، فكتها وضمتها في حضني عشان أطمنها، نفسها كان سريع، قلبها هيقف، أخدتها معايا البيت وعملت بلاغ تاني للشرطة…
بالنسبة لجاري التقرير بتاعه قال إنه ما.ت لأسباب طبيعية، يعني كان الأولى أكلم الإسعاف أو أي قريب ليه ولو من بعيد، لكن….
التقرير قال برضه حاجة تانية، إنه كان م.يت بقاله حوالي 6 ساعات قبل ما أطلع له، كان ممكن أصدق إنه قلبه وقف وم.ات من غير سبب مري.ب لولا الرسالة اللي اتبعتتلي من موبايله قبل ما أطلع له علطول، هم المي.تين بيبعتوا رسايل؟
وده ملوش غير معنى واحد،”ليلي” قت.لته، بعدها راحت على “كاريمان” وكت.فتها وهي اللي بعتت الرسايل كلها، يا ترى الدور عليا إمتى، إمتى “ليلي” هتقرر إنها عذ.بتني بما فيه الكفاية وجه وقت مو.تي؟
أما بقى “كاريمان” فلما هديت افتكرت لقطة معينة، كانت قاعدة قدام اللاب توب بتاعها، مركزة في الشاشة، لمحت فجأة انعكاس على الشاشة لحد وراها، واحدة ست، بعدين حست بوج.ع رهيب على دماغها، د.اخت والدنيا بقت ضلمة…
أنا اللي عارف الانعكاس ده كان بتاع مين، “ليلي” ضر.بتها على دماغها، أفقدتها وعيها، كت.فتها وبعتت لي الصور…
القصة كانت مر.عبة، وكإني مش عارف الملم المص.ايب اللي بتنزل عليا من كل حته، مش عارف ألاقيها منين ولا منين، لكن وبرغم كده، و”كاريمان” بتحكي، والذ.عر ساكن عنيها، وشها كان فيه سحر غريب، نفس إحساسي بيها أول مرة شوفتها لما كنا على المرجيحة سوا، والهوا بيطير شعرها، ده غير بقى في الظروف اللي احنا فيها، هي بس اللي كانت قادرة تفهمني، أحداث مرع.بة مشتركة، محدش غيرنا هيفهم حجمها، وده أكيد حسسني بالقرب منها، كمان بقى عندي رغبة رهيبة إني أحميها، حسيت إنها مسؤولة مني أنا….
ويوم في يوم قربنا من بعض، والتهد.يدات والشت.يمة والإه.انة كانت كل مدى بتكبر بسبب القرب ده، ليلي كانت بتراقبنا، قريبة مننا أوي، عارفة كل المستجدات، مع كل مقابلة ليا أنا و”كاريمان” كنت بلاقي رسايل إه.انة موجهة لينا إحنا الاتنين بتفاصيل مقابلاتنا، الأماكن اللي كنا بنروحها، الهدوم اللي لابسينها، نظراتنا لبعض وحركة إيدينا، كل حاجة…
بالنسبة للتحقيقات، أنا فقدت الأمل، مش بتودي لحته، لسه مش عارفين مكان “ليلي”، مفيش طريقة يوقفوها بيها، وبدأت أتعايش مع فكرة وجودها، وجودها اللي مش ملموس، كونها شب.ح بيطاردني، بيه.ددني طول الوقت وبيأذ.ي، خلاص بقيت مستسلم للي بيحصل وأيًا كان اللي هيحصل…
“أنت مكفكش المق.برة اللي كانت بره شباكك وقب.ر جارك العجوز؟ مش ناوي تبعد عن الحيز.بونة؟ مش عايز تختار الصح؟ المناسبة ليك؟ اللي بتعشق الهوا اللي بتتنفسه، اللي مش هتشوف معاها لحظة زهق؟ براحتك يا “هارون”، أنت اللي هتختار مصيرك ومصير اللي حواليك”
دي رسالة من مئات الرسايل اللي بعتتها، أنا فعلًا نح.ست خلاص، تهد.يدها ليا بقى روتين، الخ.وف كان على اللي قريبين مني، على “كاريمان” بالذات…
والمعا.كسات مكنتش بتقف، مثلًا مرة كاوتشات العربية اللي مركونة تحت البيت ألاقيها على الأرض، مرة تخبيط على الباب في جوف الليل، وآخر مرة لقيت ولاعة قدام باب الشقة، ليه ولاعة بالذات؟
………………………
فاتت 6 شهور على بداية المأ.ساة ولسه مستمرة المع.اناة، خلاص كده فقدت الأمل وبقيت حاسس إن مفيش حاجة تحت السيطرة! أو بمعنى أصح “ليلي” هي اللي ليها السيطرة، هي اللي بتلعب بينا، هي اللي في إيديها الخيوط…
التحقيق خلاص بقى “بارد”، اتحط في الفريزر واتنسى مع الأيام، مفيش أي تقدم ومفيش أي تحركات جديدة، أكيد الشرطة فق.دت الأمل في إنهم يلاقوا “ليلي”…
لكني اتفاجأت باتنين ظباط بيخبطوا عليا في يوم…
أول مرة كنت أشوف الظباط دول، عرفوا نفسهم وبعدين واحد فيهم قال:
-إحنا قررنا نركز على ملف “ليلي”، أنا و”مجدي” هنحقق بس بطريقة مختلفة شوية…
هتعملوا إيه يعني هتطلعوا الأرانب من برنيطة الس.احر؟
ده اللي كنت بفكر فيه وكان على لساني…
اتنفست بصوت عالي من غير ما ارد، اللي هو شوقنا أكتر شوقنا…
كمل وقال:
-في زاويتين لملف “لي لي”، زاوية بتقول إنها مفقودة وض.حية وزاوية إنها متر.صدة وقا.تلة كمان…
=أيوه قا.تلة، قت.لت جاري والطيور بتاعتي..
-في زاويتين تانيين هنلعب عليهم، سيناريو إنها عايشة وسيناريو إنها مي.تة، أنا هحاول أثبت إنها حية و”مجدي” هيحاول يثبت إنها مي.تة.
=حية ومي.تة، إيه الكلام ده، يعني إيه، الش.بح بتاعها هو اللي بيلعب بينا؟ مفيش شك إنها عايشة أصلًا..
-أمها وابنها ومعارفها متأكدين إن حصل لها حاجة، وبصراحة غريبة فعلًا مع كل التحريات اللي اتعملت ميكونش ليها أثر، عمومًا احنا مش هنرتاح غير لما نثبت سيناريو من الاتنين، ولو عايشة أكيد هنجيبها…
………………..
الليلة دي معرفتش أنام، كإن مخي ساح، مبقتش فاهم حاجة، كلام الظباط توهني أكتر، يعني إيه احتمال “لي لي” تكون مي.تة، أمال إيه تفسير كل اللي بيحصل معايا ده؟ أنا بخ.رف ولا بتعامل مع شب.ح؟
أنا بقيت بتخيل بيها في كل مكان، بحسها بتراقبني جوه البيت وبراه، في كل مكان أروحه، بشوفها واقفة ورايا لما ببص لانعكاسي في المراية، بالنسبة لي “لي لي” حية، حية جدًا…
…………………………
فات إسبوعين….
الباب خبط، اللي واقف وراه مرنش الجرس، خبط 3 خبطات…
قلبي كان بينبض جامد وأنا بقرب، زع.قت:
=مين؟
محدش رد، زع.قت تاني لما لزقت في الباب، اترد عليا:
-أيوه يا استاذ “هارون”، أنا الظابط “مينا” ومعايا “مجدي”…
فتحت، منطقتش، عيني كانت بتتنقل ما بينهم، مستني إجابات، مش قادر على الرسميات، ولا على العزومات والمجاملة والكلام الرايق، مقولتلهمش حتى اتفضلوا…
بس هم اتفضلوا من نفسهم…
قعدوا في الصالة جنب بعض، برضه كانوا بيبصولي من غير كلام، عنيهم متثبتة عليا، نظراتهم جد بزيادة…
“مجدي” قال:
-مينا كان هو اللي بيحاول يثبت إن “لي لي” حية، وبعد أسبوعين اقتنع زيي إنها م.يتة، كل الأدلة بتقول كده، يا “هارون”..”ليلي” مي.تة…
اتنفضت من مكاني وزع.قت:
=يعني إيه؟ أنا مج.نون؟ شفت عربية “لي لي” امبارح بليل تحت عمارتي على فكرة، لمحتها من الشباك، وعبال ما نزلت ملقتهاش، كانت هنا، تحت بيتي، ده غير…المرجيحة، كل ما ألمس الأرض أرجع أطلع فوق…الدو.خة اللي بد.وخها…والإيد اللي بتخن.قني!
-أهدى أهدى كده وفهمنا، عربية مين اللي كانت تحت بيتك إمبارح، وإيه حوار المرجيحة، رتب كلامك وركز يا “هارون”…
=طب فهموني إيه اللي أكد لكم إنها م.يتة؟
-مفيش أي حركة في حسابها البنكي من وقت ما اخت.فت، مفيش أي تواصل ما بينها وبين أهلها وأصحابها ومعارفها، ملهاش أثر مادي، محدش شافها، لا معرفة ولا غريب، إحنا نشرنا أوصافها من وقت، مش ممكن تكون حية، احنا حاليًا بندور على ج.ثتها..
-أهو ده برضه اللي هنحقق فيه الفترة اللي جايه…
كان نفسي اصر.خ وانزل على ركبي واقولهم ميسبونيش، أنا بقيت مر.عوب، أكتر من أي وقت فات…
اللي بيط.اردني مش بني آدم لحم ودم، ده كيان مجهول….
…………………………..
هي فين؟ ليه غابت الكام ساعة دول؟ “كاريمان” بقت هي العنصر اللي بيطمنني، وجودها حواليا بيهون عليا، عشان كده كنت حاسس بت.وتر لحد نص اليوم، رنيت عليها مردتش، بعتلها مردتش، طبيعي، بيحصل، ده كان أول يوم إجازة بعد أسبوع شغل، بتفضل نايمة كتير، عشان كده مكبرتش الموضوع….
حسيت إن الشمس اشرقت لما لقيتها بتتصل، رديت بتحمس، لكن حالي اتغير لما سمعت صوتها…
-الحقني يا “هارون”، بيتح.رق…
=هو إيه ده اللي بيتح.رق؟
-كله بيتح.رق، البيت كله بيتح.رق…
=أنتي فين دلوقتي؟
-قدام البيت، بيتح.رق، الحقني، الحقني يا “هارون”.
المفروض كنت اتحرك فورًا بس اتجمدت، في مشهد وقفني، “الولاعة”، الولاعة اللي كانت قدام بابي، مكنتش أعرف معناها ساعتها لكن فهمت بعد مكالمة “كاريمان”، كانت إشارة للحر.يق، تحذ.ير من “لي لي”!
يا ترى هلحقها، ولا “كاريمان” هتحصل جاري وطيوري؟ كام واحد لازم يم.وت عشان غلطة أنا عملتها مكنتش أعرف توابعها، إني اتعرفت على “لي لي” ودخلتها حياتي؟
اللي زاد وغطى إن “كاريمان” مكنتش بترد على تليفوناتي في الطريق من بيتي لبيتها، دماغي كانت هتشت، مكنتش مركز في السواقة وكذه مرة كنت هخبط عربية أو ناس بتعدي الشارع…
وصلت قدام عمارة “كاريمان”، ناس كتير كانت متجمعة بيبصوا فوق، لدور معين في العمارة، النار والغبار الأسود طالعين منه، من شقة في الدور ده، شقة “كاريمان”….
وقفت معاهم دقيقة، في صفارة في دماغي، عامل زي اللي في غي.بوبة، وبعدين انطلقت على مدخل العمارة، لقيت إيد على صدري، حد بيزقني، كان البواب، سألني:
-بتجري ورايح على فين؟
=”كاريمان”!
قلتها بلهفة من غير تفكير…
-إحنا جبناها من فوق، كانت واقفة قدام البيت وهو بيتح.رق، بره شقتها…
وشاور براسه في اتجاه معين…كانت واقفة هناك، جسمها كله بيرتج.ف، شعر راسها مبلول من العرق، عنيها بتتحرك في كل الاتجاهات…
جريت عليها، ضميتها وغر.قت راسها في صدري، قلبي كان هيقع في رجلي في اللحظات دي، قبل ما اتأكد إنها سليمة ومش في البيت….
أخدتها معايا على بيتي، قلتلها تدخل تاخد دش…
فضلت مستنيها في الصالة، خرجت بعد شوية حلوين، كانت بتتمشى ببطء، مش منشفة نفسها كويس، شعرها مبلول على الآخر ولسه بتترعش…
شاورتلها تيجي جنبي على الكنبة، كل ده مكنتش بتتكلم، قعدت، حاوطتها بدراعي، ريحت راسها على كتفي وغمضت عنيها…
قالتلي بصوت واطي:
-شفتها يا “هارون”، شفتها ماشية في طرقة الدور والدخان خارج من الشقة…
=شفتي “لي لي”؟
هزت راسها من فوق لتحت ودموعها بتتسلل من عنيها المغمضين…
=هيخلص، الكاب.وس ده مسيره يخلص…
-حرقت بيتي، الكاب.وس هيخلص على إيه؟
=على خير، على خير يا حبيبتي.
وبس…راحت في النوم….
برغم الراحة اللي كنت فيها لكن في إحساس مز.عج برضه كان موجود…
كنت حاسس بخ.نقة، حرفيًا!
كإن في إيدين خفية ماسكة في رقبتي، غريبة، نفس إحساسي في الحلم المتكرر…
فضلنا على الوضعية دي ييجي أكتر من ساعة لحد ما موبايلي اتهز…
مديت إيدي بالراحة وأخدته، ملطعش موبايلي…
دي رسالة جت لكاريمان، شفتها من بره طبعًا ومفتحتهاش…
لكن شفت حاجة تانية خلتني ماسك في الموبايل ومركز فيه…
ميموري في الموبايل، صورة ظهرت على الشاشة، دي بقى فتحتها…
وده عشان الصورة كانت مألوفة…
رسمة على كعب رجل ممتدة لحد العضمة اللي بتبقى في جنب القدم، الرسمة دي أنا شفتها قبل كده…
-شكرًا يا “هارون”…. رحبت بيا في بيتك وحياتك وسمعتني.
جملة “لي لي” اترددت في دماغي..
الليلة إياها…
آخر ليلة شفت فيها “لي لي” لما كانت عندي في البيت وبتتصرف بطريقة غريبة….
قلعت جزمتها وقتها ودخلت المطبخ عليا برجليها الحافية، رجل منهم كان مرسوم عليها حنة على شكل زهرة ممتدة من الكعب للعضمة، هي نفسها، نفس الصورة على موبايل “كاريمان”…
فتحت ألبوم الميموريز، كل ده وهي نايمة في حضني…
الصور…كانت…للي لي…وهي مي.تة!
وصورة منهم “كاريمان” واخده صورة معاها! وش “لي لي” كان أزرق، مسحوب منه الحياة، وباين من الصور طع.نات كتير في جسم “لي لي”، الد.م مع.رقها…
-مينا كان هو اللي بيحاول يثبت إن “ليلي” حية، وبعد أسبوعين اقتنع زيي إنها مي.تة، كل الأدلة بتقول كده، يا “هارون”..”لي لي” مي.تة…احنا حاليًا بندور على جث.تها..
الظباط كانوا صح، “ليلي” مي.تة، من البداية، من الليلة إياها، “لي لي” ملهاش علاقة بكل الج.نان اللي بيحصل، “كاريمان” هي اللي مسؤولة….
شيلت دراعي بالراحة، وقمت، اتجهت لشنطة “كاريمان”، دورت كويس فيها لحد ما لقيته…
مفتاح الشقة بتاعتي الاحتياطي!
“كاريمان” هي بطلة القصة دي…
هي الساي.كو، هي المهو.وسة، هي الإخطبوط اللي له إيدين كتير بتتحرك في كل الاتجاهات، هي اللي قررت تكسبني بأكتر الطرق الملتوية…
من يوم المولد…
الاحتفالية…التنشين بالبن.دقية… إزاي مخدتش بالي قد إيه كانت محترفة، بتركز على هدفها وبتجيبه؟….المراجيح اللي بتطير فوق فوق، الحصان، نظراتها، ذكائها الخارق وقرايتها ليا، إني مش مستعد للالتزام، وتمثيلها إن موقفها زيي….
قت.لت “ليلي” واتقمصت شخصيتها وخلتها هي المج.رمة عشان تقرب مني بتلقائية أو فيما يبدو يعني، ومفيش حاجة تلقائية، كل حاجة متخطط ليها بعناية، هي اللي دخلت بيتي، هي اللي سرقت المفتاح وس.ممت الطيور وقت.لت جاري وحر.قت بيتها…
الاخطبوط بعد ما حفر حُفر كتير بإيديه وخلى المحيط كله تراب وعماني وحدة وحدة ضم إيديه حواليا وخن.قني!
محستش غير و”كاريمان” على مسافة قريبة مني…
-قمت ليه؟
=كنت…عايز اقولك على حاجة..
-خير يا حبيبي؟
=كنت بفكر…أرجع لطليقتي، بقالنا فترة بنتكلم، وكنت مخبي عليكي بسبب اللي بيحصل يعني و…
حواجبها اتعقدت، عنيها برقت ووشها إحمر، فجأة اتبدلت ملامحها بملامح ش.يطان…
-يعني إيه؟؟ بعد كل ده؟ بعد كل اللي عملته عشانك؟ كله هيروح هدر، واللي ما.تت دي…
باااس، هو ده اللي كنت عايز اسمعه، لا أنا كنت بكلم طليقتي ولا اتفقنا على الرجوع، كنت عايزها تقع الواقعة دي وتنطق…
هي أدركت فجأة اللي عملته، الف.خ اللي نص.بته ليها، اتحركت بسرعة في اتجاه المطبخ، فهمت هي عايزه إيه، كانت عايزه تجيب سك.ينة، لكن أنا لحقتها، شدتها من شعرها بع.نف، طِلعت منها ص.رخة هزت العمارة كلها، مكتفتش بكده، خبطت راسها بغل في الحيطة، وقعت مغم عليها، لو عليا كنت خلصت عليها لكن مكنتش عايز أروح في دا.هية…
كلمت “مينا” الظابط، جه في وقت قليل ومعاه التاني وعدد من العساكر، قبضوا عليها…
عرفت منهم بعد كده، بناء على اعترافات “كاريمان” إنها شافت “لي لي” وهي خارجة من شقتي ليلتها، كانت طالعالي، طبعًا أنا مكنتش أعرف إنها كانت جايالي يومها، المهم استخبت ، ونزلت جري على السلالم، وقفت قدام عربية “لي لي” لحد ما نزلت، وقالتها إنها اختي وإني حكتلها عنها، ركبت معاها واقنعتها تروح معاها شقتها قال إيه عايزه تديها معلومات عني ونصايح، وهناك قت.لتها لكن اللي وقعها هو عقليتها المري.ضة، إحساسها بالنشوة والفخر باللي عملته، كإنه إنجاز رهيب، أخدت صور ليها ومعاها بعد ما ما.تت والمفروض خفتهم في ألبوم في الموبايل لكن ربنا أراد يكشفها لما الصورة ظهرت في الذاكرة بتاعة الموبايل، حطت ج.ثة “لي لي” في العربية بتاعتها وساقت بيها ورمت الج.ثة في النيل والعربية ركنتها في مكان تاني بعيد، وهي طبعًا اللي جت بالعربية تحت بيتي في ليلة من الليالي عشان تعزز إن “لي لي” اللي بتسبب الرع.ب ده كله…
أنا بقى رجعت لطليقتي فعلًا…
راجعت حياتي، عملت ريستارت، إعادة تشغيل وبرمجة لكل مبادئي وافكاري، مبدئيًا اتعلمت إن مفيش حاجة إسمها تصرف من غير توابع، كل حاجة بنعملها بندفع تمنها، كل حاجة، حتى الناس اللي بنسمحلهم يدخلوا حياتنا، وأدركت إن مفيش حاجة إسمها راجل يعرف واحدة عادي من غير ارتباط أو شكل علاقة محترم، تليفونات ولقاءات ونوايا سودة من غير تدبيس، التمن م.ر، وأنا اللي دفعته في الآخر، أنا كنت غلطان، ودخلت بنفسي عش الدبابير… اتعلمت أتقي ربنا وأحافظ على مراتي وابني وبيتي، وأخيرًا “هارون” بقى “رشيد”…
“تمت”
#كاريمان